كان المشهد بغيضا ومؤلما حيث التف الناس حولها بعد ان تم انتشالها من قاع النيل كانت جثة لفتاة مشوهة المعالم وضعت المسكينة فى جوال وتم تقييد يديها وقدميها وألقيت فى النيل وهى ما زالت على قيد الحياة ...هذا ما قاله الطبيب الذى عاين الجثة... حملتها سيارة الاسعاف وانطلقت صافرتها تعوى وتولول وكأنها تندب الفقيدة ... وانصرف الناس الذين التفوا حولها ... وأخذ كل منهم يدلو بدلوه ويتكهن بسبب ما حدث لهذه المسكينة وكانت كل التكهنات تصب فى بوتقة واحدة ..انها نالت جزاء خطيئتها ...وظل الناس ينهشون عرضها كالوحوش الضارية وكأنها لا يكفيها مصيرها المؤلم وكان هو يقف من بعيد يترقب ...وكان هو وحده يعرف سر الفتاة ..
تزوج رجل ثرى من امرأة جميلة وظل ينتظر ان يمن الله عليه بالبنين كما فاض الله عليه من كرمه فوهبه المال لتكتمل له زينة الحياة الدنيا وتأخر الانجاب سنوات وكان يحب زوجته فصبر عليها حتى من الله عليه بعد عشر سنوات عجاف.. بولد ..أقام الافراح سبع ليال واطعم الفقير وسجد لله شكرا على فيض كرمه وبعد سنتين اكرمه الله ببنت كانت آية فى الجمال .. واسرف الابوين فى تدليل الفتى حتى فسد وافلت لجامه... كان يعيث فى الارض فسادا فصار نقمة ابتلى بها الوالدين ..وماتت الام بحسرتها على ولدها الفاسد ...كبرت البنت صارت فى العشرين من عمرها وكانت قرة عين ابيها.. كانت الحنان تجسم فى صورة فتاة واحبها الاب كثيرا ولمس فيها الحكمة والعقل الراجح وخشى ان يضيع ابنه ثروته على ملذاته فكتب كل ما يملك بإسم ابنته مما اثار حنق ابنه واوغر صدره ...طال العمر بالوالد وكان يقتر على ولده بعد ما لمسه منه من فساد فضج الولد بحاله واضمر فى نفسه امرا ....كان الوالد كهلا عجوزا يلزم الفراش وكان دواؤه هو ما يبقيه على قيد الحياة -بأمر من الله- وسئم الولد من تضييق ابيه عليه وفكر فى فكرة شيطانية ...لما لا يتخلص من العجوز وزين له الشيطان الفكره ومازال به يزين له الامر حتى استسلم لوسوسة الشيطان فقام بتنفيذ الفكرة المقيتة ...اصابت الاب ازمة قلبية ..وكان ابنه يلازمه يتحين الفرصة للخلاص منه فاستغاث به ابوه ان يناوله الدواء الا ان الولد أخذ علبة الدواء بعيدا عن متناول يد أبيه ...ووقف يرقب أبيه وهو يموت ببطء أمام عينيه حتى فاضت روحه الى بارئها ...وبقى أمام الشيطان عقبة واحدة هى شقيقته ..فكان لا مناص من ان يتخلص منها هى الاخرى حتى تكون الثروة له بكاملها !!
ونفذ خطته قام بتقييد أخته ..غير عابئ بتوسلاتها وقسمها له انها ستتنازل عن كل اموالها له نظير ان يعتقها ولكنه لم يلين ...وضعها فى جوال وانتظر حتى سجى الليل وألقى بالمسكينة فى النيل !!
وظل يجوب المكان كل ليلة حتى طفت جثتها بعد أيام ...لم يطرف له جفن لجرائمه البشعة ولكنه لم يعد يستطع النوم ...كلما أغمض جفنه تراءى له شبح أخته تبكى وتتوسل اليه ان لا يقتلها ....وظل شبحها يطارده وصورة وجهها المشوه لا تفارق مخيلته.. وحرم النوم حتى أوشك على الجنون وذات مرة كان تحت تأثير المخدر الذى أدمنه.. فقص على الحضور كل ما اقترفته يداه.. متباهيا بجرائمه البشعة وسجن ...وكان شبح والده يطارده تارة .. وتارة اخرى يتراءى له شبح اخته ولم يستطع ان يتحمل اصيب بالجنون وامضى ما بقى له من العمر فى عذاب مخلد ابدى .. يحدق فى ذهول من خلف الاسوار...
